كل ما يحتاجه المرء للنجاح هو "التركيز والشغف، كل شيء مفتوح أمامنا. واجبنا أن نعيد للبلد بعضاً مما منحنا إياه، الأمر لا يقتصر على دور الدولة، نحن جميعاً نتحمل المسؤولية"، هكذا استهلت السيدة عائشة الرميحي، رائدة الأعمال القطرية المعروفة والمسؤولة عنعدد من المشاريع الريادية في بنك قطر للتنمية - وآخرها مشروع (سكيل7) وهو أول حاضنة أعمال متخصصة في مجال التصميم والأزياء في قطر- وصفَها لتجربتها في مجال دعم المشاريع الناشئة ورواد الأعمال في قطر.
تنحدر السيدة عائشةالرميحي من عائلة قطرية تقليدية. والدها شغل منصباً في السلك العسكري، بينما عملت والدتها في قطاع التعليم. هي الابنة الكبرى بين أربعة إخوة، وُلدت ونشأت وعاشت في الدوحةفي بيئة تهتم إلى حدٍّ كبير بالنظام والتخطيط، خاصةً فيما يتعلق بالتعليم والرياضة والالتزام بالأنشطة والمعسكرات الصيفية، الأمر الذيساعدها على الحفاظ على مكانها بين الأوائل دائماً.
تتحدث السيدة عائشة بكثير من الفخر عن تراث عائلتها: روى لها جدها قصص رحلاته البحرية، كان يغيب لأشهر وهو يتابع تجارته على متن سفنه التي كانت تنقل البضائع بين الهند وعُمان والكويت. تقول عائشة: "هذه قصص أجدادنا، عايشنا جانباً منها ونعرف كيف عمل الرجال والنساء جنباً إلى جنب، حيث كانت جداتنا يتولين مختلف المهام بأنفسهن عندما يغيب الرجال في البحر".
"جداتي كن يحفظن القرآن ويدرُسنه"، تضيف عائشة، "جدتي رحمها الله، كانت حافظه للقرآن وتسرد قصائد للإمام الشافعي، لقد شجعتني على القراءة والاطلاع والمعرفة، وكانت تردد المثل القائل: امشي يا حرة وما عليكِ مضرّة".
حظي التعليم في أسرة عائشة بأهمية قصوى، "ليس بيننا من لم يكمل الجامعة"، تؤكد عائشة، "وفي السبعينات كانت عمتي من الفتيات اللواتي أكملن دراستهن في بيروت".
تتذكر عائشة موسوعة من ١٣ مجلداً أهداها لها خالها، كما تتذكر زيارات العائلة السنوية إلى معرض الكتاب لشراء الكتب "كنتُ شغوفة وقارئة نهمة"، تقول بثقة.
كان يفترض بالمسار الذي سلكته السيدة عائشة أن يقودها بشكل طبيعي إلى مجال التدريس، ورغم أهمية هذا المجال، إلا أنها كانت تحلم بشيء آخر، كانت تفكر بدراسة إدارة الأعمال. تقول: "اتخذتُ قراري من البداية، قررتُ أن التعليم ليس المجال الذي سأعمل فيه".
في يوم تخرجها من الجامعة في تخصص إدارة الأعمال الدولية، جاء أفراد عائلتها لحضور الحفل، "لقد فوجئوا بسماع اسمي كصاحبة مرتبة الشرف!!"، لم تخبرهم عائشة بذلك، حتى أنها صعدت المنصة وألقت كلمة باسم الخريجين، "والدتي لم تستوعب ما يحصل فهمست: هذي وين رايحة؟!" كانت مفاجأة جميلة بالنسبة للعائلة.
بدأت مسيرة الحياة المهنية لسيدة الأعمال عائشة الرميحي من القطاع المصرفي، "عملتُ في مجال تطوير المنتجات والخدمات المصرفية والتسويق، وكذلك في قسم الموارد البشرية"، تقول عائشة، مؤكدةً بأنها كانت مستقرة في عملها إلى أن جاءها في يوم عادي من أيام العمل الاتصال الذي غير مسار حياتها، "اتصال من جهة متخصصة في مجال ريادة الأعمال"، وتتعجب عائشة قائلة: "لا أعرف كيف وصلتهم سيرتي الذاتية، قالوا: نحنحاضنة قطر للأعمال، كانت كلمات غريبة!! كان المفهوم جديداً آنذاك بالنسبة لنا"، وتقول "بصراحة، لجأتُ إلى جوجل لكي أفهم الموضوع".
كان من شروط المنصب المقترح أن يكون لدى المتقدم عملٌ خاص، وقد أخبرتهم عائشة بأنها لا تدير أي مشروعٍ خاصٍ بها، لكن ردهم جاء واثقاً: "سيكون لك مشروعك الخاص قريباً، فكلُّ مواصفات رواد الأعمال تتوافر فيك"، تضيف عائشة: "أثناء المقابلة سألتهم: "ما هي الخطوة القادمة لي؟" وكان الجواب: "أنت ستصنعين مستقبلك!".
لقد غيرت هذه المقابلة مسار حياة عائشة المهني، إذ مهدت أمامها الطريق للارتقاء والتطور في مجال دعم المشاريع والأعمال حتى باتت تعتبر اليوم من مؤسسي حاضنة قطر للأعمال ضمن فريق مميز من الزملاء.
تشير عائشة إلى التغيير الجذري الذي لاح في قطر منذ ١٩٩٥، فتتحدث عن النهضة الكبيرة التي شهدتها الدولة في مجال التعليم، وقطاع الأعمال، والتسهيلات وفرص النمو الكثيرة التي استجدت في مختلف القطاعات بما في ذلك قطاعي الرياضة والفنون.
تقول عائشة: "لقد عشنا الازدهار، نحن الجيل الذهبي، وعلينا أن نقدم للأجيال القادمة فرصاً مشابهة. لقد تعلمنا وتعبنا وبنينا، لم نهدر الموارد، بل عملنا على إرثنا، وسعينا للتطوير، واستثمرنا في الإنسان".
خلال الدراسة الجامعية، أخذت عائشة وقتاً مستقطعاًاتخذت أثناءه قراراً مصيرياً بتغير تخصصها، "خلال تلك الفترة اكتشفتُ نفسي، كنتُ في الحادية والعشرين، دخلتُ سوق العمل قبل إنهاء تعليمي، قرأتُ الك ثير من الكتب، وختمت جميع مؤلفات الأديب والدبلوماسي والوزير غازي القصيبي".
استغلت عائشة هذا الوقت بشكل استثنائي، فقد انخرطت في كل المجالات التي أحبتها، أكملت دورات في مجال البروتوكول والأتيكيت واللغات وقطاع الأعمال والفنون والأزياء. "كانت فترةً غنيةً للغاية"، حسب وصفها، و"ساهمت في تنمية وتشكيل شخصيتي وتفكيري".
آخر مشاريع الرميحي يحمل اسم حاضنة (سكيل ٧)، وهي أول حاضنة أعمال متخصصة لدعم رواد الأعمال في مجال الأزياء والتصميم، وقد استثمرت فيه وقتاً وجهداً كبيرين. يقدم المشروع تجربة متكاملة لأي شخصٍ يسعى لدخول مجال الأزياء والتخصص فيه. "فخورةٌ بأنني أضع بصمة تساهم في تنوع اقتصاد قطر والاقتصاد الابداعي بشكل خاص من خلال هذا المشروع"، تقول عائشة، وتعلّق: "من الجميل أن تبتكر شيئاً، ويتابعه أشخاص آخرون، يجب أن تكون هناك دماء جديدة دائماً".
اختيرت عائشة مؤخراً للانضمام إلى مركز قطر للقيادات في "برنامج القيادات التنفيذية"، وهو برنامج لاختيار نخبة من القيادات التنفيذية في البلاد للمشاركة في برنامج لمدة سنة، يشمل دورات في مجال القيادة وريادة الأعمال، بالتعاون مع جامعات دولية عريقة من ضمنها جامعة هارفرد.
"سيكون لديّ مجموعة شركات، إحداها متخصصة في الاستثمار في الشركات الناشئة"، هكذا ترى عائشة نفسها بعد عشر سنوات، ورغم طموحها وإنجازاتها على مدار ١٥ عاماً، إلا أنها مازالت تعتبر اختيارها ضمن قائمة ١٠٠ سيدة قطرية مؤثرة شرفاً كبيراً للغاية. "أنا متأكدة بأن هناك سيدات قديرات مؤثرات، لا نعرف عنهن.. وبالنسبة لي"، تختم عائشة حديثها، "إلى الآن لم أحقق شيئاً، ما أزال في البداية!"